نوف الموسى (دبي)

«إذا خبأتِ تلك النتوءات في درج وأحكمتِ إغلاقه، فلا ضوء للشمس فيه، بذلك لن يعبر الصوت. في كل الحالات، لا أحد يستطيع سماع صوت النتوءات بعد الخدش في لوحاتي، ولكن يمكن أن نسرد من خلالها القصص، وبالنسبة لي لكل حالة خدش هناك فكرة وقصة أرويها»، كان الفنان الإماراتي محمد كاظم، يقف متحدثاً بجانب أعماله، بينما استمر الحضور في محاولة استشفاف الموسيقى التي تحدث عنها، واستمر بقوله: «ربما سيصعب قليلاً أن نستشف مكوّن الصوت، لأن الإضاءة هنا صناعية، والنتوء فعل طبيعي». هذا جانب من الحوارات التي شارك فيها الفنان الإماراتي محمد كاظم مع ما يقارب 18 فناناً وجماعة فنية، في أول معرض جماعي يشهده مركز جميل للفنون بمدينة دبي، مساء أول من أمس، حيث التأثير النوعي، لتشكيل رؤيتنا لما يمكن اعتباره «هامشاً»، من مواد وأشكال موجودة في حياتنا اليومية، وخوض تجربة تأملها عبر مراقبة تحررها وتمردها وعفوية إنتاجها، كمثل خامة جلد الضأن في عمل الفنانة السعودية زهرة الغامدي، المشاركة في «بينالي البندقية للفنون» لعام 2019، التي حولت الجلد الطبيعي لأشكال فنية متباينة بعد مراحل اختبارية طويلة استغرقت قرابة 8 أشهر لاستخراج أول قطعة فنية. وقد وصل إجمالي عدد القطع المنجزة في البينالي إلى نحو 50 ألف قطعة، بينما أنتجت الفنانة السعودية قرابة 3000 قطعة، أطلقت عبرها الغامدي تنبيهاً من الطبيعة الأم، وضرورة الحفاظ على موارد الأرض.
بعنوان «ماديات مستعارة»، اتخذت فضاءات «جميل للفنون»، مساحة للمقاربة بين أنماط من التعابير الفنية بمثل المجسمات والتركيب والتجميع والتخطيط والتصوير الفوتوغرافي، والرسم والأداء، فالأخير حضر مع الفنانة دعاء علي، من خلال تقديمها لحالة انفصام الشخصية التي تمركزت في العرض على التكرار والسرعة، في تمثيل للشخصية المصابة، ما يخلخل الأفكار. واللافت في الاستشفاف العام للمعرض، التزامه بمبدأ «الاستعارة» الفنية، فمثلاً عمل الفنان موفات تاكوديوا بعنوان «معلومات مستعارة» عكس أبعاد تشكل المعرض الفني ككل، والذي يتألف من لوحة مفاتيح كومبيوتر، إنجليزية اللغة، ممثلاً عملاً نقدياً، يتناول الإرث الاستعماري لزيمبابوي، ينسج فيها الفنان موفات مفاتيح الكمبيوتر، بنفس الطريقة التي تحاك فيها المنسوجات التقليدية في زيمبابوي، مشيراً بذلك إلى البعد التقسيمي للغة الإنجليزية، وما شكلته على مستوى الفوارق الطبقية، وأثرها في عمليات تشييد وتقويض الأسس والمباني المعاصرة للهويات الثقافية.
من جهة آخرى، جاءت العمارة وتشكلاتها وتأثيرها فوتوغرافياً، عبر عمل الفنانة أزاده كوكش، راصدة بذلك مسألة الهوية ومشاعر الانتماء، من خلال كولاج لـ«إسطنبول»، فيه مئات الصور، قامت بتقطيعها ومقاربتها بين المشاهد، متضمنةً علامات حاضرة للمدينة من قباب ومنارات، يتخللها أفق للمدينة القديمة، إلا أن عمل الفنانة السعودية زهرة الغامدي، بعنوان: «مايسيليوم يتسارع»، واستحضارها للعمارة العسيرية التقليدية في بلدة الباحة التي نشأت فيها، بجنوب غرب المملكة العربية السعودية، كان الأكثر مجازفة وقوة، وبالأخص عندما يطرح العمل سؤالاً جوهرياً حول أثر الأضرار البشرية التي تُسبب أذى جسيماً للأرض، من تلوث وحروب وقطع الأشجار وغيرها، ما سيجعل الأرض تتكلم في يوم ما، من خلال ظهور كائنات أو فطريات ذات مكونات عضوية أو غيرها، تنتشر وتتسرب وتتمدد، موجهة بذلك تنبيهاً مؤلماً.
أما عمل «أرجوحة صلاة (بني)»، فإنها تتيح لك أن تجلس وتتفاعل مادياً مع العمل، وقدمتها مجموعة (سلافز وتتارز) الفنية، والعمل هو مجموعة من سبحات صلاة عملاقة تحولت إلى أرجوحة، ويقوم الزائر، ومن الناحية المادية القصوى، بالتأرجح بين ضدين متعاكسين، وذلك لا يمثل مجرد تنقل بين الأضداد، بل هو أمر يتعلق بإشغال طرفي الطيف المتناقض وإزاحة جدران التأويل وتحريكها.